الإسلام عقيدة و شريعة
-العقيدة : قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة"(10):
"عقد - العين والقاف والدال ، أصل واحد يدل على شدٍّ وشدَّةِ وثوقٍ . وإليه ترجع فروع الباب كلها . من ذلك : عقد البناء ، والجمع أعقاد وعقود.. وعقدْتُ الحبل أعقده عقداً ، وقد انعقد ، وتلك هي العقدة . وعاقدته مثل عاهدته . وهو العقد ، والجمع عقود .
والعقد : عقد اليمين ، ومنه قوله تعالى : ((ولَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ)) . وعقدة كل شيء : وجوبه وإبرامه . وعقد قلبه على كذا فلا ينزع عنه . واعتقد الشيء : صَلُب . واعتقد الإخاءُ : ثَبَتَ.." .
وقال الراغب في "المفردات"(11):
"العقد: الجمع بين أطراف الشيء . ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء . ثم يستعار ذلك للمعاني نحو : عقد البيع والعهد وغيرهما ، فيقال : عاقدته وعقدته وتعاقدنا وعقدت يمينه.." .
وفي "المصباح المنير" : "اعتقدت كذا : عقدت عليه القلب والضمير ، حتى قيل : العقيدة ما يدين به الإنسان . وله عقيدة حسنة : سالمة من الشك" . ومن هذه النصوص اللغوية نلاحظ أن مدار كلمة "عقد" على الوثوق والثبات والصلابة في الشيء .
ومن هنا جاء تعريف العقيدة والاعتقاد - كما في المعجم الوسيط - حيث قال:"العقيدة": الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده" .
ومن هـــذا المـعنى اللغوي أخذ تعريف العقيدة في الاصطلاح الشرعي ، فقال الشيخ حسن الــبــنا - رحمه الله - في تعريف العقائد - بصيغة الجمع -: "هي الأمور التي يجب أن يصدِّق بها قلبك، وتطمئن إليها نفسك ، وتكون يقينا عندك ، لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك" .
فهي إذن اعتقاد جازم مطابق للواقع ، لا يقبل شكاً ولا ظناً ، فما لم يصل العلم بالشيء إلى درجة اليقين الجازم لا يسمى عقيدة . وإذا كان الاعتقاد غير مطابق للواقع والحق الثابت ولا يقوم على دليل ، فهو ليس عقيدة صحيحة سليمة ، وإنما هو عقيدة فاسدة ، كاعتقاد النصارى بالتثليث وبألوهية عيسى -عليه السلام- .
والناس في هذا الاعتقاد يتفاوتون ، وهم في العقيدة على مراتب ، كما أن آثار هذه العقيدة تختلف من شخص لآخر حسب ما يقوم به بـنــفــســـه منها ، واستيقانه بها وفهمه لها وتفاعله معها .
والدراسة التحليلية للعقيدة تشير إلى أنها تـعـتـمــد على جوانب نفسية وجدانية وإرادية وعقلية في حياة الإنسان ، وتتصل بها كلها اتــصـالاً وثيقاً ، بها تتكامل شخصية الفرد ، وبها ينتفي التضارب والصراع بين قواه المتعددة .
هـذا، وقــد أصـبـحـت كلـمـة "العقـيدة" اسم عَلَمَ على العلم الذي يدرس جوانب الإيمان والتوحيد - التي سبقت الإشــارة إليها - وأصبح كل من يكتب في هذا الجانب يُطلق على ما كتبه اسم العقيدة ، فيقال : عقيدة الطحاوي ، وعقيدة فلان من العلماء.. وأصبحت هذه الكلمة مضافة إلى الإسلام عنواناً على المادة الدراسية في المعاهد والكليات وغيرهما ، فيقال "مادة العقيدة الإسلامية" .
الشريعة : قال ابن فارس في "معجم المقاييس"(6) :
"شرع - الشين والراء والعين أصل واحد ، وهو شيء يُفْتح في امتداد يكون فيه ، من ذلك : الشريعة ، وهي مورد الشاربة الماء . واشتق من ذلك : الشرعة في الدين والشريعة .
وقال ابن منظور في "اللسان" مادة شرع (7):
"الشريعة والشرعة : ما سنَّ الله من الدين وأمر به ، كالصوم والصلاة.. مشتق من شاطئ البحر . ومن قوله تعالى: ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومِنْهَاجاً)) قيل في تفسيره : الشرعة: الدين ، والمنهاج : الطريق.." .
والشريعة - كما قال الكَفَوي - اسم للأحكام الجزئية التي يتهذب بها المكلَّف معاشاً ومعاداً ، سواء كانت منصوصة من الشارع أو راجعه إليه .
ومما ذكره العلماء من تعريف للشريعة نجد أنها تطق على معانٍ متعددة :
أ- فالشريعة هي : كل ما أنزله الله تعالى على أنبيائه ، وهي تنتظم الاعتقاد والأحكام العملية والأخلاق. فهي ما شرعه الله من الاعتقاد والعمل . وبهذا تلتقى مع مفهوم السنة الذي سلف بيانه فيما سبق( .
ب- وتطلق كذلك على ما خص الله تعالى به كل نبي من الأحكام لأمته ، مما يختلف من دعوة نبي لآخر ، من المنهاج وتفصيل العبادات والمعاملات ، ومن هنا نقول : إن الدين في أصله واحد ، والشرائع متعددة.
جـ- وتطلق أحياناً على ما شرعه الله تعالى لجميع الرسل من أصول الاعتقاد والبِّر والطاعة مما لا يختلف من دعوة نبي لآخر ، كما قال تعالى : ((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ ومَا وصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى)) [الشورى 13].
د- وتطلق الشريعة بخاصة على "العقائد التي يعتقدها أهل السنة من الإيمان . مثل اعتقادهم أن الإيمان قول وعمل ، وأن الله موصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق.. وأنهم لا يكفرِّون أهل القبلة بمجرَّد الذنوب.. فسمَّوا أصول اعتقادهم : شريعة..
الإسلام عقيدة وشريعة:Ø
إ\ن الإيـمـان الصـادق يـصـنع الأعـاجـيـب ، فمتى استقر في القلب ظهرت آثاره واضحة في المعاملة والسلوك.
"والإسلام عـقيـدة متـحـركـة لا تـطـيق السـلبية ؛ إذ إنها بمجرد تحققها في عالم الشعور، تـتحـرك لتحقق مدلولها في الخارج وتترجم نفسها إلى حركة وإلى عمل في عالم الواقع".
فالدين الإسلامي - بما أنه منهج إلهي للبشر ينبغي أن يصرّف حياتهم ويوجهها - يشمل جانبين اثنين ، تتفرع عنهما سائر الجوانب الأخرى وتعود إليهما:
الجانب الأول : الأصول الاعتقادية ، أو الأساس النظري الذي يشكل القاعدة الأساسية في بناء هذا الدين ، ومنه ينطلق المؤمن ، ويضبط حركته كلها بضوابطه ، ويوجه سلوكه وأعماله بمقتضاه ، وهو يفسِّر له أصل نشأة الإنسان وغايته مصيره ويحدد علاقته بالوجود كله من الحياة والأحياء بعد أن يحدد له صلة بالله تعالى .
وهذا الجانب هو العقيدة التي تقوم على أصول نسميها أصول الإيمان وأركانه ، مما يجب أن يعتقد به المؤمن ويصدق به.. وتسمى الأحكام المتعلقة بهذه النواحي أحكاماً أصلية أو اعتقا دية .
والجانب الثاني : هو النظام الذي ينبثق عن تلك الأصول الاعتقادية ويقوم عليها ، ويجعل لهذه الأصول صورة واقعية متمثلة في حياة البشر الواقعية . ، لذا فهو يحدد للمكلفين حدوداً في أقوالهم وأفعالهم - كما يقول الشاطبي -رحمه الله - فيبين كيفية عمل المكلف ، والإتيان به على الوجه الذي أمر به الشرع ؛ في الشعائر التعبدية والنظام الاجتماعي ، ونظام الأسرة ، والنظام الاقتصادي وفي قواعد الأخلاق.. وفي كل ما من شأنه تنظيم حياة الناس وارتباطاتهم وعلاقاتهم.. وتسمى الأحكام المتعلقة بهذه الجوانب كلها : أحكاماً فرعية أو عملية ، لأنها عمل متفرع عن الاعتقاد .
والعلم المتعلق بالجانب الأول من هذين الجانبين يسمى علم العقيدة أو أصول الدين . والعلم المتعلق بالجانب الثاني يسمى علم الشرائع والأحكام ، لأنها لا تستفاد إلا من جهة الشرع ، ولا يسبق الفهم - عند الإطلاق - إلا إليها .
ما علاقة العقيدة بالأخلاق ؟ ألا يمكن أن يكون للناس أخلاق طـيبـة بـلا عـقيـدة ؟! ، نعم ، قد يوجد أخلاق عالية مثلى كانت عند عرب الجاهلية وعند المجتمعات غيـر المـسلـمـة أحـيانـاً ولـكـن هـذا سبـبه أن الـنفـس تحتجز رصيدها الخلْقي بحكم العادة والتقليد أمداً طويلاً، بعد أن تكون قد فقدت الإيمان كـجـزء من العقيدة ؟.. وقد تحتجزه فترة على وعي منفصلاً عن العقيدة، على أنه شيء ينبغي في ذاته أن يقوم.
ولكن النتيجة الحتمية واحدة في النهاية..
إنه ما دامت العقيدة قد انحرفت فلا بد أن تنحرف الأخلاق أخيراً وما دامت الأخلاق قد انفصلت عن العقيدة فلا بد أن تموت. وإن هؤلاء المخـدوعـين - حسـبوا بـتأثـير الجـاهلـية - أن التصورات قد تنحرف ثم يستقيم السلوك.
ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك ربطاً قوياً، ونلاحـظ ذلـك فـي نـصــوص كثيرة مثبتة في الكتاب والسنة
ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : »من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" (5) وقـولـه - صلـى الله عليه ومسلم - : "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً« . (6)
إن قرن الإيمان بحسن الخلق ، والسلوك الرفيع أمر يلفت النظر إلا أن كثيراً مـن المسلمين يهملون هذا الجانب أيامنا هذه مع الأسف الشديد.
فـبـيـنـمـا كان المسلمون الأوائل إذا سمعوا آية فيها تكليف سارعوا إلى تطبيقه ، وإذا نـزل تحريم لأمر انتهوا عند ذلك من صدق الإيمان وصلابة العقيدة..
-العلاقة بين العقيدة والشريعة في الإسلام: وإذا كانت العقيدة هي أصل البناء وأساسه ، فإن الشريعة تنبثق عن هذا الأصل وتقوم عليه ، بحيث يكون كل حكم من أحكام السلوك الإنساني ، في أي جانب من جوانب الحياة ، متفرعاً عن أصل من أصول العقيدة والإيمان ومرتبطاً به. فلا قيمة ولا استقرار لنظام لا يستند على أساس متين ، كما أنه لا جدوى من أساس ما لم نرفع فوقه بناء قوياً محكماً .
وهكذا تتعانق العقيدة والشريعة لتكوين هذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به ، وإن كان أحد الجانبين أعظم أهمية من الآخر ، فإن العقيدة هي الجانب الأعظم الذي أولاه الإسلام عنايته الكبرى أولاً في مكة المكرمة ، وهي مرحلة الإعداد والتربية والتكوين ، ثم استمر الحديث عن هذه العقيدة عندما بدأت الأحكام تتنزل على الأمة في المدينة ، بعد أن أصبح لها وجود فعلي وكيان مستقل ، بل كانت العقيدة هي الروح الذي يسري في هذه الأحكام ، فيهبها الحياة النابضة المتحركة .
إضافات
لفظ الشريعة في أصل الاستعمال اللغوي الماء الذي يرده الشاربون، ثم نقل هذا اللفظ إلى معنى الطريقة المستقيمة، التي يفيد منها المتمسكون بها هداية وتوفيقا... ويختص هذا اللفظ في عرف الفقهاء بالأوامر والنواهي والإرشادات التي وجهها الله تعالى إلى عباده ليكونوا مؤمنين عاملين صالحين، سواء أكانت متعلقة بالأفعال أم بالعقائد أم بالأخلاق ...إلخ
ويقول الشيخ محمود شلتوت- رحمه الله- في تعريفها: والشريعة هي النظم التي شرعها الله أو شرع أصولها، ليأخذ الإنسان بها نفسه في علاقته بربه وعلاقته بأخيه المسلم وعلاقته بأخيه الإنسان وعلاقته بالكون والحياة
ومن هذا نستطيع أن نقول إنه يقصد بالتشريع الإسلامي كل ما شرعه الله سبحانه في القرآن الكريم من أمر ونهي أو شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما سنه الخلفاء الراشدون، وكذلك ما أجمع عليه علماء المسلمين ومجتهدوهم، وما توصلوا إليه بالاجتهاد، يقول جل ذكره مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته تبع له في ذلك: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. (سورة الجاثية: 18). ويقول جل ذكره: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}. (سورة النساء:59)، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه}. (سورة آل عمران:31). ويقول سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. (سورة الحشر: 7).والآيات في هذا كثيرة جدا. وفي الحديث: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". وفي الحديث الآخر. "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"
فالحاصل أن التشريع الإسلامي يقصد به كل ما شرعه الله من أصول الدين وفروعه في العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الحدود أو القصاص أو غير ذلك مما يحتاجه الناس في حياتهم (فتشمل الشريعة أحكام الله لكل من أعمالنا من حل وحرمة وندب وإباحة. وذلك ما نعرفه اليوم باسم الفقه)
ولعل أجمع كلمة تحدد المقصود من التشريع ما قاله سماحة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله- في رسالته منهج التشريع الإسلامي وحكمته حيث قال: "والتشريع هو وضع الشرع، والشرع هنا هو النظام الذي وضعه خالق السماوات والأرض على لسان سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، ليسير عليه خلقه فيحقق لهم به سعادة الدارين على أكمل الوجوه وأحسنها".