" قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين" الآية :30
*** ذكر العلماء وجوه في مناسبة الآية لما قبلها:
1. أن في الآية استدلالا على ضلالهم المبين المذكور في الآية السالفة فالله يحفظ لهم الماء و يرسله لهم و هم يكفرون به و يكذبون رسله و استكمالا لحجة المؤمنين عليهم في الآية السابقة فالآية تقول أرأيتم فقط لو انخفض الماء فمن يقدر على الإتيان به ؟ و هذا مثال يقود للتدبر فيما سواه.(و هو أقرب الوجوه عندي)
2. إنكم إذا لم تعبدوا الله للحياة الباقية فاعبدوه للفانية فإنه لما ذكر العذاب ، وهو مطلق ، ذكر فقد ما به حياة النفوس في الدنيا وهو الماء .
3. أنه لما ذكر أنه يجب أن يتوكل عليه لا على غيره ، ذكر الدليل عليه والمقصود أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر .
فكم من النعم و الحاجات بل و الأخطار محيطة بالمرء و يمكن أن يهلك بها لولا حفظ الله فيتوكل على الله سبحانه في الأمر كله على الإجمال .
*** "قل":
و قد أسلفنا أن أمر الله لنبيه صلى الله عليه و سلم بحجة معينة يعظم أمرها و يشير للعناية و الاستدلال بها في السياق الذي يذكره القرآن.
و تلك الحجة القرآنية ألهمها الله سبحانه أو علمها الرجل الصالح المذكور في قصة الجنتين في سورة الكهف قال سبحانه :" وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (34) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (35) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (36) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (37) لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (38) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا (39) فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا (40) أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا (41) وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (42) ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا (43)"[1] و قد وقع ما أنذر به الرجل الصالح كما في الآيات و خربت الجنة بكفر صاحبها و هكذا الكفر يزيل النعم و كان السياق المذكور لما أنكر صاحب الجنة زوال نعمته و بطر و أنكر أمر الآخرة و سورة الملك مكية و سيأتي ما ذكره بن عاشور من أن أهل مكة أصيبوا بالقحط الشديد بعد خروج النبي صلى الله عليه و سلم للمدينة.
*** الآثار:
أ- في الصحيح المسبور:
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) أي: ذاهباً (فمن يأتيكم بماء معين) قال الماء المعين: الجاري.
انتهى.
ب- أخرج ابن المنذر والفاكهي عن ابن الكلبي قال : نزلت هذه الآية { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً } في بئر زمزم وبئر ميمون بن الحضر ، وكانت جاهلية قال الفاكهي : وكانت آبار مكة تغور سراعاً .
ت- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إن أصبح ماؤكم غوراً } قال : داخلاً في الأرض { فمن يأتيكم بماء معين } قال : الجاري .
ث- وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما { إن أصبح ماؤكم غوراً } قال : يرجع في الأرض .
ج- وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { بماء معين } قال : ظاهر .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة رضي الله عنه مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما { بماء معين } قال : عذب .
*** "غورا":
غور :غور كل شيء قعره ، وغار الماء غورا وغور ذهب في الأرض وسفل فيها و نضب ، وقال اللحياني غار الماء وغور ذهب في العيون، والإخبار به عن الماء من باب الوصف بالمصدر للمبالغة كما يقال : رجل عدل ورضا .
فلو غار الماء في الأرض قليلا فربما أوتي به بالجهد الشديد و لكنه لو غار في الأرض غورا فلا يستطيع أحد الإتيان به ، أما في الزمان السابق فمعلوم و أما الآن فلأن البشرية بكل علومها و آلاتها لا تزال تحفر في 2% من سمك الأرض أو من سمك قشرة الأرض و إذا تجاوزت ذلك انصهرت كل المعدات.
*** قال في التحرير: إيماء إلى أنهم يترقبهم عذاب الجوع بالقحط والجفاف فإن مكة قليلة المياه ولم تكن بها عيون ولا آبار قبل زمزم، كما دل عليه خبر تعجب القافلة من (جرهم) التي مرت بموضع مكة حين أسكنها إبراهيم عليه السلام هاجر بابنه إسماعيل ففجر الله لها زمزم ولمحت القافلة الطير تحوم حول مكانها فقالوا: ما عهدنا بهذه الأرض ماء، ثم حفر ميمون بن خالد الحضرمي بأعلاها بئرا تسمى بئر ميمون في عهد الجاهلية قبيل البعثة، وكانت بها بئر أخرى تسمى الجفر (بالجيم) لبني تيم بن مرة، وبئر تسمى الجم ذكرها ابن عطية وأهملها «القاموس» و «تاجه» ، ولعل هاتين البئرين الأخيرتين لم تكونا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فماء هذه الآبار هو الماء الذي أنذروا بأنه يصبح غورا، وهذا الإنذار نظير الواقع في سورة القلم [17- 33] "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة "إلى قوله: "لو كانوا يعلمون".
قال : وقد أصيبوا بقحط شديد بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو المشار إليه في سورة الدخان .
و في أخبار مكة للأزرقي :
وقال بعض أهل العلم: كانت جرهم تشرب من ماء زمزم، فمكثت بذلك ما شاء الله أن تمكث، فلما استخفت جرهم بالحرم، وتهاونت بحرمة البيت وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها سرًا وعلانية، وارتكبوا مع ذلك أمورًا عظاما، نضب ماء زمزم وانقطع، فلم يزل موضعه يدرس ويتقادم وتمر عليه السيول عصرًا بعد عصر حتى غبى مكانه.
وقد كان عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي، قد وعظ جرهما في ارتكابهم الظلم في الحرم واستخفافهم بأمر البيت، وخوفهم النقم وقال لهم: إن مكة لا تقر ظالمًا فالله الله قبل أن يأتيكم من يخرجكم منها خروج ذل وصغار، فتتمنوا أن تتركوا تطوفون بالبيت فلا تقدروا على ذلك.
فلما لم يزدجروا ولم يعوا وعظه عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب، وأسياف قلعية كانت أيضًا في الكعبة، فحفر لذلك كله بليل في موضع زمزم ودفنه سرًا منهم حين خافهم عليه، فسلط الله عليهم خزاعة، فأخرجتهم من الحرم ووليت عليهم الكعبة والحكم بمكة ما شاء الله أن تليه، وموضع زمزم في ذلك لا يعرف لتقادم الزمان، حتى بوأه الله تعالى لعبد المطلب بن هاشم لما أراد الله من ذلك فخصه به من بين قريش.
و في أخبار مكة للفاكهي: أن جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة.
قلت: فلو صحت الرواية الأولى فتأمل كيف غارت زمزم زمان جرهم ثم عادت و إلى اليوم تسقي ملايين الحجاج و المعتمرين سنويا و يحمل من ماءها لشتى بقاع الأرض.
*** "ماء معين"وجهان:
الأول: ظاهر تراه العين جاريا على وجه الأرض كماء معيون .(بن منظور و الرازي و بن الجوزي)
الثاني: المعين الجاري من العيون من الإمعان في الجري كأنه قيل : ممعن في الجري .(ذكره الرازي بصيغة و قيل)
و قد اختلف في وزنه:
أ- فعيل من معن و هو الاستقاء.
ب- مفعول من عين.
ت- و قيل: هو مفعول وإن لم يكن له فعل.
قلت : و الأقرب عندي أنه مفعول من عين بمعن ماء ظاهر تراه العيون ، و لم يكن عندهم أنهار جارية حتى نقول بالقول الثاني .
و فائدة وصف الماء بالمعين بيان أنها حجة و معجزة ظاهرة للعين فلا ينبغي أن تكذب أبدا.
*** والاستفهام في قوله: فمن يأتيكم بماء استفهام إنكاري، أي لا يأتيكم أحد بماء معين.
*** تختم السورة بالحديث عن نعمة الماء ، و الماء عصب الحياة و لكي نوضح أهميته في الحس البشري السوي بل و غير السوي إلا من أبطرتهم البطنة و أعماهم الشيطان قبل أن نعرج على ذكر في القرآن عنه نذكر قول الدكتور/ دسوقي أحمد محمد عبد الحليم(خريج معهد الميكروبيولوجيا جامعة همبولد برلين ألمانيا) قال :بغض النظر عن الممارسات والطقوس الكهنوتية المصاحبة للماء، فإننا نجد وبجلاء وعلي مر الزمن ومهما اختلفت الأماكن، أن الماء شغل حيزاً كبيرا من العقل الروحي والديني لكثير من معتقدات البشر وأديانهم وأي باحث في مقارنة الأديان سيدرك عند تتبعه للنصوص الدينية الموقع المتميز الذي احتله الماء بها، فلا تكاد تخلو عقيدة دينية إلا وكانت تقدس هذا الماء، بطريقة معينة سواء فكراً أو طقساً وهذا يرجح ما للماء من أهمية كونية، وماله من ارتباط وثيق بحياة البشر سواء أكانوا أفراداً، قبائل أو حتى شعوب وأمم.
و قال بعضهم : و لقد ذكر الله تعالى الماء في القرآن الكريم منكراً " ماء " 33 مرة وذكره معرفاً " الماء " 16 مرة .
قلت :فالماء شريان الحياة و له أعظم الدور في استمرار حياة الخلق على وجه الأرض فالإنسان 65% منه ماء فضلا عن أن الماء هو الذي زين وجه الأرض بالنباتات و الثمار التي يتغذى عليها الإنسان و الحيوان .
و الإشارة الظاهرة هنا في الآية إلى أن الله سبحانه هو الذي يحفظ تلك المياه في موضعها و إلا لو غارت لهلك البشر و من تدبر وجد في الآية إعجازا علميا و دليلا بينا على وجود الله و قدرته العظيمة.
قال د/إبراهيم طرابية (دكتوراه في الجيوفيزياء)وإنه بعد سقوط الأمطار يحدث أن تتشبع الصخور المسامية بالماء وبعد تخزنه داخل خزانات Aquifersوتعرضه لضغوط الطبقات التحت سطحية فإنه يمكن للماء أن يتسرب إلى سطح الأرض خلال الصدوع والفوالق على هيئة ينابيع وصدق الله العظيم إذ يقول "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ" .
أو أن يخزن (يسكن) في الأرض على صور متعددة منها خزانات المياه الجوفية وفى هذا يقول الله تعالى " وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ".
والعجب كل العجب أن نجد بعض آبار المياه الجوفية تكون على أعماق عميقة وهذا ينطبق مع قوله تعالى" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ".انتهى
و نشير لبعض تلك النقاط التي هى من فوائد الآية المباشرة أو تقاس عليها :
1. إن الأرض تسبح فوق بحر من الحمم الملتهبة – أعاذنا الله من عقوبته – و المياه الجوفية حفظت في موضع ليس بالغائر فيصل لتلك الصهارات فيتبخر و ينتهي أو لا تدركه آلات البشر فلو سفلت قليلا لما وصلوا لها أبدا و هناك من المياه الجوفية ما هو على هذه الشاكلة.
2. أن طبقات الأرض تقوم بوظيفة المنقيات – الفلاتر – للماء فالمياه الجوفية توجد نقية من الشوائب بفضل الله سبحانه و ما هيئه من تلك الطبقات التي يمر عليها الماء فتمتص ما فيه من الشوائب و يخرن في الأرض نقيا.
3. أن هذا الماء لا يفسد بطول المكث و لا يتغير طعمه و لا يصيبه ما يصيب الماء المتروك لفترات أقل بكثير من مدة مكثه في الأرض.
4. أن هذا الماء ربما مكث مخزونا في الأرض لمئات أو ألاف السنين .
5. هناك من تلك الآبار ما يتعرض لضغط من جميع الاتجاهات فيدفع ماءه باتجاه سطح الأرض فتستخرج منه المياة بدون الحاجة إلى مضخات.
6. أن هناك كواكب مرصودة تكونت مثل الأرض في الفضاء الخارجي و هي تخلو تماما من الماء.
7. أن الغلاف الجوي للأرض يحافظ على الماء و لولا أن الله قدر وجوده لتبخر الماء في الكون و كذلك اختلت تركيبة الهواء و اختنق البشر.
8. لو زادت نسبة المياة قليلا على وجه الأرض لغرق الخلق.
9. قدرات البشر على الحفر لا تتجاوز 2% من عمق الأرض ثم تنصهر آلاتهم و معداتهم.
10.أن هذا الأمر لا يختص بالماء و الهواء فقط بل هناك الكثير من التوازنات في الطبيعة التي لو اختل أحدها لدمر الحياة على وجه الأرض.
11.لو غارت المياه من على وجه الأرض فمن يستطيع الإتيان بها من البشر مهما أوتي من علم و قدرة.
* فسبحان من حفظ الماء نقيا قريبا قال سبحانه :" وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون (18)[2]" و قال سبحانه :" وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين (22)[3]"
و قد ذكر بعض من كتب في الإعجاز العلمي للماء خواصا فيزيقية تساعده على أداء المهام الموكولة له و لا نطيل بذكرها.
*** قال في التحرير:ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما أشار إليه في «الكشاف» مع ما نقل عنه في «بيانه» : قال: وعن بعض الشطار (هو محمد بن زكرياء الطبيب كما بينه المصنف فيما نقل عنه) أنها (أي هذه الآية) تليت عنده فقال: تجيء به (أي الماء) الفؤوس والمعاول، فذهب ماء عينيه. نعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى آياته قال الألوسي: وتفسير الآيات على هذا الطرز هو ما اختاره بعض الأئمة وهو أبعد مغزى من غيره والله تعالى أعلم بأسرار كلامه .
*** و مثل الماء كمثل الذكر و ما نزل من الوحي الإلهي فالأول تحيا به الأبدان و الثاني تحيا به النفوس قال سبحانه " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (16) اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون (17)[4]" و لو شاء الله سبحانه لذهب بالذي أوحي إلينا فرجعنا هملا رعاعا ضلالا و فقدنا الحياة الحقيقية.
*** و بدأت السورة بذكر عظيم ملك الله سبحانه و أنه خلق الموت و الحياة و اختتمت السورة بذكر كيف وهب الله البشر سبب من أعظم أسباب الحياة لم يكن لهم قدرة عليه و لو شاء لذهب به و امتلأت السورة بالحجج البينة و ختمت بحجة دامغة و هي أن الخلق يحيون في فضل الله و بالأسباب التي يسرها لهم و لو قطعها عنهم لهلكوا فهم لا يستغنون عنه طرفة عين.
*** و تدبر في حجة الله البليغة أنه سبحانه الإله القوي القادر الغني يحفظ لهم مياههم و يدنيها منهم و هم البشر الفقراء الضعفاء يكفرون و يكذبون
فالله خلقهم ووهب لهم أسباب الحياة المتجددة و هم في فقر دائم إليه لا ينقطع فكيف يكفرون به؟ و هم ما زالوا في نعمته و لا يستطيعون أبدا الاستغناء عنها فكيف يكفرون؟ و لو لم يعبدوا الله لثواب الآخرة فليعبدوه كي لا يهلكوا في الدنيا فكيف يكفرون؟
*** و سمعت منذ زمن قصة لا أدري مصدرها و لكن فيها عبرة: قال أحد الخلفاء لأحد الوعاظ عظني فقال:أرأيت لو مُنعت الماء و كدت تهلك و طُلب منك التنازل عن ملكك للحصول على شربة ماء أكنت تفعل؟ قال : نعم ، قال :أرأيت لو منعت الإخراج و احتبس فيك البول و منعت إجراج البول إلا بترك ملكك أمنت تتركه ؟ قال : نعم ، فأجابه : فملكك لم يساوس شربة ماء لا في دخولها و لا في خروجها.(أو كما قال)
*** و روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر".[5]
*** الفوائد العملية في الآية:
1. التدبر في نعمة الماء العظيمة و شكر الله عليها و على غيرها من الكثير الذي لا قوام لنا إلا به.
2. علاقة الآية بما قبلها.
3. فيم يتوكل على الله ؟
4. مثال للضلال المبين الذي يحيا فيه الكفار ؟ الأرض تخرج ثمارها فيلقونها في البحر جشعا و حرصا ألا ترخص الأسعار ، الأرض تعطيهم المعادن فيصنعون أسلحة يحاربون بها الله و رسوله و لا يزال العلم يعطيهم كل يوم جديد فيوظفوه في الدعوة إلى الكفر و الإلحاد و كل ما أسلفنا إنما هو محض فضل الله عليهم.
5. تحقيق مصالح الدنيا و الآخرة لا يكون إلا بالإيمان بالله و التوكل عليه.
6. الحجة القرآنية في الآية ووقت الاستدلال بها في مقام مناظرتهم لبيان عظيم خطأهم أو إذا بطروا بما في أيديهم من نعم الله و الله أعلم.
7. إذا غار الماء في الأرض لا يأتي به إلا الله.
8. لو أنذر الكفار بمثل هذا فكذبوا لكان علامة على قرب قحطهم و بلائهم كما حصل في قصة الجنتين و مع أهل مكة و الله أعلم.
9. تأمل كيف غارت زمزم زمان جرهم بفجورهم ثم عادت على يد جد النبي صلى الله عليه و سلم و إلى اليوم تسقي الملايين (على القول بصحة رواية الأزرقي) و كيف دمرت جنة الرجل الكافر في سورة الكهف بسبب كفره و عناده و كيف أرسل القحط على قريش بعد خروج النبي صلى الله عليه و سلم بدعائه.
10.الفائدة في وصف الماء بالمعين.
11.معرفة قدر نعمة الماء.
12.الإعجاز العلمي و الرحمة في حفظ الماء مئات السنين مخزونا في الأرض قريبا من البشر لا يفسد.
13.الإعجاز العلمي و الرحمة في كثير من التوازنات في الطبيعة التي يجهلها أغلب الخلق و لولا تقدير الله إياها لهلك الخلق و ثمرة ذلك شكر الله و محبته.
14- حجة الله البالغة في الآية.
15.ما بدأت به السورة و ما تضمنته و ما ختمت به.
16.الدعاء أن يجعل الله سبحانه ما علمناه من هذه السورة خالصا لوجهه نفعا لنا و حجة لنا في الدنيا و الآخرة و ألا يكون حجة علينا و لا نعاقب بتفريطنا في حقه و أن يبارك فيه و ينفع به من شاء من خلقه و هو الله الرحمن المستعان نسأله العافية و العفو و الثواب و الغفران.
سبحان الله و بحمده
سبحانك اللهم و بحمدك
نشهد أن لا إله إلا أنت
نستغفرك و نتوب إليك